العبادة إخلاص ووفاء لا رياء وخداع


قال الله تعالى "ألا لله الدين الخالص" "الزمر3" وقال عز وجل "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" وفسره أبوعثمان النيسابوري "الاخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق". وقال سبحانه "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم" "النحل91" مضيفا "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا" "الإسراء74" فلا رياء لأن "الرياء هو تكريم تقدمه الخطيئة إلى الفضيلة" حسب قول "لارشوفوكو" مضيفا "الرياء يصنع قناعا يبهت له" وفي المثل الانجليزي "الرياء هو النقيصة الوحيدة التي لا تغتفر" ويقول "منشيوس" المراؤون هم طاعون الفضيلة"، قال الله تعالى "لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالذي ينفق ماله رياء الناس" "البقرة264"؛ ولا خداع لأن "الخداع أقبح الذنوب" وأيضا "الخداع يضيف الخبث إلى الكذب"، قال الله تعالى "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم" "البقرة9". ولا مكر فقد قال الله تعالى "ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله" "فاطر43"، وقال عز وجل "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين" "آل عمران54".

انطلاقا من هاته المواعظ والارشادات تتأكد أن العبادة اخلاص، فقد قال علي بن أبي طالب "ليست الصلاة قيامك وقعودك إنما الصلاة إخلاصك"، وقال رضي الله عنه "خير المقال ما صدّقته الفعال" يجرني هذا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذ اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم".. لقد وضح الرسول عليه الصلاة والسلام طمأنينة الصدق وريبة الكذب "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".

وقدّم القرآن أمثلة يحتذى بها كقول الله تعالى "واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيئا" "مريم41". وأمر القرآن بالوفاء بالعهد والوعد كما ذكرت سابقا وقدّم مثلا "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيئا" "مريم54" حيث انتظر رجلا وعده لمدة ثلاثة أيام أو أكثر حسب تفسير القرطبي.

ومن أوامر التنزيل الحكيم أداء الأمانة، قال تعالى "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" "النساء58" فحسب تفسير القرطبي جميع المسائل الدينية وأمانة التعامل مع الناس. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهر له".

وفي خصوص الحفاظ من داء الزنا والتعفّف عن الفواحش مهما كان حجمها يقول الله تعالى في كتابه المجيد "والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" "المؤمنون5-7"؛ والمقصود الحافظون فروجهم من الزنا والتعفّف عن الحرام والمقصود بقوله "ما ملكت أيمانهم" أي السراري حينما كان الرق شائعا، أما اليوم فقد انتهى من العالم. فهو نهي عن الزنا وفعل قوم لوط. أما من اقتصر على الحلال فلا لوم عليه.

ويدعو الذكر الحكيم ناهيا بالكف عن النظر للمشتهيات المحرمات فأمر الله تعالى "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" "النور30" وذلك بكف البصر عما لا يحل لهم النظر إليه، وحفظ الفرج عما لا يحل لهم فعله بها، و"سبب التفرقة بين غض البصر بذكر "مِن" وحفظ الفروج دون ذكر "من" أن غض فيه توسع إذ يجوز النظر إلى المحارم فيما عدا ما بين السرة والركبة وإلى وجه المرأة الأجنبية وكفيها، وقدميها في إحدى الروايتين.

وأما أمر الفروج فمضيق كما ذكر في الكشاف وكفاك فرقا أن أبيح النظر إلى ما استثنى منه وحظر الجماع إلا ما استثنى منه أي فالأصل في الفروج الحظر، وفي النظر الإباحة وتقديم الغض على حفظ الفرج لأن النظر بريد الزنا" "انظر تفسير د.وهبة الزحيلي".

وأخيرا في خصوص كف الأيدي عن إذاءة الغير يقول الله تعالى "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا" "الأحزاب58" أي يعيبون وفي قوله تعالى "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه" "النبأ4" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

وتبعا لما ذكرت كان حقا قول علي بن أبي طالب "الساعي بالخير كفاعله، أما الساعي بالشر ومحاربة الخير فهو عدو الله والبشر" ولا شك أن "من زرع العدوان حصد الخسران". لقد قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب أوصافا لبعض الناس "يا علي إن للمؤمن ثلاث علامات: الصلاة والصيام والزكاة. وللمتكلّف ثلاث علامات: يتملّق إذا شهد، ويغتاب إذا غاب ويشمت بالمصيبة. وللظالم ثلاث علامات: يقهر من دونه بالغلبة، ومن فوقه بالمعصية ويظاهر الظلمة. وللمرائي ثلاث علامات: ينشط إذا كان عند الناس، ويفتر إذا كان وحده، ويحب أن يحمد في جميع الأمور. وللمنافق ثلاث علامات: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإن أؤتمن خان". فالتملّق يكون بكلام يتودّد به لا يعكس ما في قلبه. ويظاهر الظلمة أي يعاونهم على الظلم.

هذا درس وفّقني الله بتوفيق منه جل وعلا وبفضل من كرمه سبحانه أفدت به جمعا من المسلمين، فاطمأن قلبي، وانشرح صدري، وفاضت عيناي بدموع الراحة والحمد والشكر لرب العالمين، حيث قفز صبي وصافحني بسرور، واقترب مني معوقان أحدهما من مكة المكرمة والثاني من أبناء وطني العاملين خارج الوطن، وحاوراني حوار المحبة والودّ؛ فاستحييت وقلت "ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون" "يوسف38"، وقد وعد الله عباده "لئن شكرتم لأزيدنكم" "إبراهيم7" فدعوت الله تعالى "رب زدني علما" "طه114" إيمانا خالصا صادقا بالله بقوله تعالى "ادعوني أستجب لكم" "غافر60" لأني موقن أن "وعد الله لا يخلف الله وعده" "الروم6" وسألتزم الصبر كما أمرني رب العالمين وسأعتصم بحبله المتين "فنعم المولى ونعم النصير" "الحج78".

ولهذا سأصبر "إن وعد الله حق" "غافر55" أعلم علم اليقين أن الناس جميعا منهم من يخشى الله "إنما يخشى الله من عباده العلماء" "فاطر28" لكن كل عالم هو في حاجة للمزيد من أسرار العلم بدليل قول الله تعالى مؤكدا "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" "الإسراء85". فالقرآن نزل باللغة العربية الفصحى والإنسان قاصر على استيعاب كل أصول اللغة وفروعها جملة وتفصيلا.

ولهذا سيبقى ما بلغه من العلم غير كاف وسيبقى الإنسان في حالة قصور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأختم بتكرار مقولة داود وسليمان عليهما السلام "قالا الحمد لله الذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين" "النمل15" حين تفضّل الله تعالى عليهما بالعلم بدليل قوله تعالى "ولقد آتينا داود وسليمان علما" "النمل15"، "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" "الأعراف43"، فأنا سأبقى ملتزما طيلة حياتي بنهي الله تعالى "لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل" "المائدة77".

موضوع رائع جداااااا

الله يعطيك العافية .....

موضوع أكثر من رائع .........