مما لا شك فيه أن مرحلة الطفولة والمراهقة المبكرة هي أهم فترة في حياة الإنسان ليس من الناحية الصحية والتعليمية فقط بل من ناحية التكوين النفسي، حيث تعتبر هذه المرحلة مرحلة ترسيخ الأفكار والعادات والسلوكيات التي يتأثر بها الطفل في بيئته سواء كانت من الأسرة أو المدرسة أو حتى خارجها والتي تشكل شخصيته مع تنامي نموه حتى يصل إلى سن البلوغ والمراهقة.
وهي تمثل ما يطلق عليه التربية التي تشهد الكثير من التفاعل والتغير خاصة في وقتنا الحاضر الذي حدث فيه تغييرات جذرية في حياة الإنسان بفعل التقدم والتطور الحضاري أثّر بطبيعة الحال على الأطفال بشكل أكبر فأوجد لديهم عدم التكيف والاستقرار النفسي، وهذا ما نلاحظه في الكثير من الأسر التي تجد أنها تعاني لعدم تمكنها من فهم أبنائها وكيفية توجيههم حسب متطلبات المحيط الذي يعيشون فيه.
فالأسرة المترابطة التي توفر جواً آمناً من الحب والرعاية والتي تراعي القيم الإيجابية وتبعد الطفل عن العادات والقيم السلبية وتشجعه على استغلال مواهبه وقدراته وتعوده على التعاون والمشاركة في جو من المحبة والألفة كل هذا يكون النواة الأولى للرعاية النفسية للطفل الصغير. والمدرسة كذلك تكون إستمرار يكمل مسيرة الأسرة وتنمي في الطفل الثقة بالنفس والثقة بالآخرين والتعاون والمشاركة وإيثار المصلحة العامة و يجد فيها الفرصة لتأكيد ذاته في جو تربوي يساعد الطفل على اكتمال نضج شخصيته ويكسبه المناعة اللازمة التي تمكنه من التأقلم مع متغيرات الحياة مستقبلاً وينتقل للجامعة حيث يزداد الرصيد من المقومات النفسية التي تزيد من قدراته وعطائه للآخرين.
وسأحاول من خلال هذا التحقيق تسليط الضوء على أهم المشاكل النفسية التي قد تعترض الطفل في هذه المرحلة وأسباب هذه المشاكل والتي علينا ان نضعها دائما في الاعتبار ونتجنبها قدر الامكان حتى ننعم بأطفال يتمتعون بصحة نفسية جيدة.
وقد صنف الباحثون أسباب المشاكل النفسية للطفل بشكل عام إلى أسباب مصدرها الأب والأم, وأسباب مصدرها الأم وأسباب مصدرها الأب إضافة إلى أسباب مصدرها الطفل نفسه, وتعود الأسباب التي مصدرها الأب والأم للمعاملة القاسية للطفل والعقاب الجسدي والإهانة والتأنيب والتوبيخ.. والتي تؤدي إلى توقف نمو ثقته بنفسه فيملأه الخوف والتردد في أي شيء يفكر بالقيام به ويصبح عرضة للمعاناة النفسية والخلافات العائلية التي تجبره على أن يأخذ جانبا إما في صف الأم او الأب مما يدخله في صراع نفسي, كذلك مسألة التدليل والاهتمام بالطفل الجديد... فمجيء وليد جديد يعتبر صدمة قوية قد ينهار بسببها كثير من الأطفال.. فالطفل يتضايق إلى حد الحزن حين يرى طفلا آخر قد حظي بما كان يحظى به ويمتلك أشياء لا يمتلكها أحد سواه، وكل هذا بسبب تدليل الوالدين للطفل الجديد أمامه وعدم الاهتمام به كما كان من قبل كالصراع الذي يحدث بين الأب والأم للسيطرة على الطفل والفوز برضاه فيجد الطفل فيما بعد منهم توجيهات واوامر متناقضة مما يضع الطفل في حيرة شديدة وعجز تعرضه لمعاناة نفسية كبيرة وتؤهله للأمراض النفسية فيما بعد, وإحساس الطفل بالكراهية بين الأب والأم سواء كانت معلنة أو خفية, كذلك الطلاق بين الوالدين حيث وجد أن نسبة 60% من المطلقين في الولايات المتحدة لديهم أطفال تحت سن 5 سنوات يعانون من الاضطرابات النفسية.
إضافة إلى عدم وجود تخطيط وتعاون بين الاب والام لتنمية شخصية الطفل و تنمية قدرته العقلية, والأنتباه إلى أن التقتيرالشديد على الطفل وحرمانه من الاشياء التي يحبها رغم امكانات الاسرة التي تسمح بحياة ميسورة تأثيره تماما كالاغداق الزائد عليه وتلبية كل طلباته والمصروف الكبير الذي يعطى له بما لايتلاءم مع عمره ومايصاحب ذلك من فقدان الاب والام بعد ذلك السيطرة والقدرة على توجيه الطفل وتربيته.
أما الأسباب التي مصدرها الام فبعضها يكون قبل الولادة كتناولها عقاقير تضر بالجنين اثناء الثلاثة اشهر الاولى من الحمل او ممارستها لعادة التدخين السيئة مما يؤثر على قدرات الجنين العقلية والام غير السعيدة اثناء فترة الحمل ,والبعض الآخر لممارساتها ضمن الأسرة كالام المسيطرة التي تلغي تماما شخصية الاب في البيت مما يجعل رمز الاب عند الطفل يهتز, وإهمال تربية الطفل وتركه للشغالة او المربية وإنشغالها الزائد باهتماماتها الشخصية وكثرة الخروج من البيت وترك الطفل ,وتخويف طفلها من اشياء وهمية كالعفاريت والحيوانات المخيفة من خلال الحكايات التي تحكى له والتي تترك اثرا سيئا على نفسيته.
وتأتي الأسباب التي مصدرها الاب لتلعب دورا أيضا في إضطرابات الطفل النفسية , كالأب المسيطر الذي يمحو تماما شخصية الأم و يلغي دورها و أهميتها حيث تتأثر نفسية الطفل كثيرا حينما يرى أباه وهو يشتم أمه و يضربها أمامه,والأب السكير الذي يعود آخر الليل مخمورا و يزعج أفراد الأسرة يؤثر كثيرا على رمز الاب لدى الطفل ,كذلك عندما يكتشف ان أباه يكذب أو أن أباه رجل غير شريف عندها يفقد احترامه لأبيه ويبدأ في المعاناة التي قد لاتظهر الا عندما يكبر ,وانشغال الاب الزائد بعمله وعدم تخصيص وقت كاف للجلوس مع أطفاله والاهتمام بهم, يجعل الطفل يفتقده كمثل اعلى وكمعلم ومرب وقدوة,هذه الأسباب يخلقها الوالدين وتؤثر على الطفل إلا إنه هناك أسباب تكون موجودة عند الطفل نفسه قد تكون سببا في مشاكله النفسية كتواضع قدراته الذكائية مقارنة بزملائه في الفصل , مما يجعله يشعر بالنقص والخجل و خاصة اذا تعرض الى ضغط زائد من مدرسته,ووجود عاهة عند الطفل يعرضه لسخرية بقية الأطفال, كشلل الأطفال أو ضعف السمع أو ضعف أو تشويه في جسده.
ولكن ماهي المشاكل والأضطرابات النفسية التي قد تعترض الطفل؟
قد يصاب الطفل للأسباب العديدة التي سبق الحديث عنها بالاضطرابات العاطفية,القلق, الخجل، الميل إلى البكاء والحزن. وقد تظهر على شكل أعراض جسمية كالاستفراغ والإسهال واضطراب النوم والشهية أو السمنة، وتناقص أداء الطفل في المدرسة, الاكتئاب النفسي وقد يظهر باضطراب في السلوك والخوف المرضي والاضطرابات التحولية أو ما يعرف (بالهستيريا) ,الاضطرابات العقلية كالفصام والهوس.
كما أنه من الممكن أن يصاب بأمراض الشخصية، كالشخصية التجنبية والشخصية المعارضة التي تتسم بالعصيان والتمرد والعناد وإثارة الآخرين.
واضطراب السلوك كعمل تصرفات غير لائقة مثل انتهاك حقوق الآخرين والتخريب وإشعال الحرائق والسرقة والكذب والهروب من المدرسة
كذلك ظهور بعض العادات غير المستحبة كمص الأصابع وقضم الأظافر ونتف الشعر ولمس الأعضاء التناسلية.
إضافة لمشاكل النوم بأنواعها كالتبول الليلي والتبرز الليلي, اضطرابات الكلام والتأتأة.
وفيما يلي أستعرض بعض هذه المشاكل وماهي أسبابها وكيف يمكن معالجتها:
الكذب
يمكن تعريف الكذب بأنه قول شيء غير حقيقي وقد يعود إلى الغش لكسب شيء ما أو للتخلص من أشياء غير سارة.
فالأطفال يكذبون عند الحاجة ,وعادة ما يشجع الآباء الصدق كشيء جوهري وضروري في السلوك، ويغضبون عندما يكذب الطفل، ولكن بعض الأطفال يجدون صعوبة في التمييز بين الوهم والحقيقة، وذلك خلال المرحلة الابتدائية، لذا يميلون إلى المبالغة، وفي سن المدرسة يختلق الأطفال الكذب أحياناً لكي يتجنبوا العقاب، أو لكي يتفوقوا على الآخرين أو حتى يتصرفوا مثل الآخرين، حيث يختلف الأطفال في مستوى فهم الصدق,و الكذب عندهم يأخذ عدة أشكال كالقلب البسيط للحقيقة أو التغيير البسيط.
أو المبالغة حيث يبالغ أو يغالط الطفل والده بشدة ,و التلفيق كأن يتحدث بشيء لم يقم به والمحادثة بمعنى يتكلم بشيء جزء منه صحيح وجزء غير صحيح.
وتعود أسباب الكذب عند الطفل غالبا إلى:
- الدفاع الشخصي:كمحاولة للهروب من النتائج غير السارة في السلوك،فيضطر للكذب للهروب من العقاب.
- الإنكار أو الرفض للذكريات المؤلمة أو المشاعر خاصة التي لا يعرف كيف يتصرف أو يتعامل معها.
-التقليد أي تقليد الكبار واتخاذهم كنماذج.
-التفاخروذلك لكي يحصل على الإعجاب والاهتمام.
- فحص الحقيقة لكي يتعرف على الفرق بين الحقيقة والخيال.
-الحصول على الأمن والحماية من الأطفال الآخرين.
-الاكتساب للحصول على شيء للذات.
-التخيل النفسي عندما نكرر ونردد على مسامع الطفل أنه كاذب فسوف يصدق ذلك من كثرة الترديد.
- عدم ثقة الآباء فقد يظهرون أحياناً عدم الثقة بما ينطق به أبناءهم وإن كان صدقاً، لذا يفضل الطفل أن يكذب أحياناً ليكسب الثقة.
هذه أسباب قد تجعل الطفل يلجئ إلى الكذب للوصول إلى ما يصبو إليه, ولكن يمكننا أن نعالج هذه المشكلة وذلك من خلال دراسة كل حالة على حده وبحث الباعث الحقيقي إلى الكذب ومعرفة فيما إذا كان كذب بقصد الظهور بمظهر لائق وتغطية الشعور بالنقص أو أن الكذب بسبب خيال الطفل أو عدم قدرته على تذكر الأحداث.وكذلك من المهم أن نتعرف أن الكذب عنده عارضا أم أنه عادة ,وهل هو بسبب الانتقام من الغير أم أنه دافع لا شعوري مرضي عند الطفل. وكذلك فإن عمر الطفل مهم في بحث الحالة حيث أن الكذب قبل سن الرابعة لا يعتبر مرضا ولكن علينا توجيهه حتى يفرق بين الواقع والخيال، أما إذا كان عمر الطفل بعد الرابعة فيجب أن نحدثه عن أهمية الصدق ولكن بروح المحبة والعطف دون تأنيب أو قسوة كما يجب أن يكون الحديث على درجة من التسامح والمرونة وأن نذكر الطفل دائما بأنه قد أصبح كبيرا ويستطيع التميز بين الواقع والخيال ,كما يجب أن يكون الآباء خير من يحتذي به الطفل فيقولون الصدق ويعملون معه بمقتضاه حتى يصبحوا قدوة صالحة للأبناء أما إذا فشلت تلك الطريقة فمن الواجب على الأهل عرض الابن على الأخصائي النفسي للمساعدة على تنظيم علاجه.
مشكلة الخوف لدى الاطفال:
إن حالة الخوف عند الطفل هي حالة شعورية وجدانية يصاحبها انفعال نفسي وبدني تنتابه عندما يشعربالخطر ويكون مصدر هذا الخطر داخلي من نفس الطفل او خارجي من البيئةالمحيطة
اسباب الخوف عند الأطفال:
تخويف الطفل، حيث يلجأ بعض الكبار الى تخويف الطفل كي يمارس مايريده الوالدين مثل ان يقول الوالدين للطفل: ان لم تنم فسنأتي لك با الوحش او الذئاب لتأكلك.
وبأحاطة الطفل بذلك الخوف يشعر بالنقص وبفقدان الثقة بالنفس ومن ثم الخوف
كذلك السخرية من الطفل الخائف والضحك عليه امام الأخرين وجهل الطفل بحقيقة الاشياء التي يخافها اوالاحداث التي يسمع عنها.
ويخاف الطفل احيانا لجذب انتباه والديه و معلميه خاصة اذا كان الطفل يفتقد لمشاعر الحب والحنان ,وشعور الطفل بعدم الاستقرار والأمن في الاسرة بسبب المنازعات التي تحدث بين الوالدين اوفقدان احدهما.
ولذلك لابد لعلاج الخوف عند الاطفال من الأمتناع عن السخرية مما يخاف منه الطفل ومناقشته بالموضوع الذي يخاف منه ولا نطلب منه نسيانه لأنه سيبقى يخيفه ويسبب له القلق.
وتعريضه للموقف بالتدريج مع وجود الأم كذلك الابتعاد عن تخويف الطفل واستثارته عندما لايقوم بعمل ما او عندما نريد منه ان يكف عن عمل سيئ وإشعاره بالأمن النفسي داخل المنزل وابعاده عن المشاحنات الاسرية.
إضافة لاستخدام اسلوب النمذجة وذلك بان نحضر للطفل فيلما لأطفال شجعان يتخلله مثيرات تخيفه ومع التكرار سيقوم الطفل بتقليدهم وان لانشعره بخوفنا من شيء ما لأنه يكتسب من تلك الصفة.
ويجب تفقد مكتبة الطفل السمعية والمقروءة والبصرية فقد يكون لديه مايشعره بالخوف اما صور لبعض الحيوانات المخيفة اوافلاما مرعبة.
مشكله قلق الانفصال:
وهي شعور الطفل بعدم الارتياح والاضطراب والهم ويظهر ذلك نتيجة للخوف المستمر من فقدان احد الابوين والتعلق غير الآمن بالحاضن،ويعبر عنه الطفل ببكاء شديد لمدة طويلة عندما ينفصل عن امه،ثم ببكائه مره اخرى عندما يجتمعان, كذلك يبكي الطفل غير الآمن عندما يبعد عن الالتصاق العضوي بجسد الأم.
وتعود اسباب هذه المشكلة إلى الشعور بعدم الأمان نتيجة للحماية الزائدة والاعتماد على الكبار وغياب الأم المتكرر عن الطفل في السنوات الأولى من عمره والمشاكل والصراعات الاسرية التي تثير خوف الطفل من فقدان احد الابوين.
ولعلاج هذه المشكلة يجب اشعار الطفل بالأمن والطمأنينة وتعويده الاعتماد على النفس وبناء علاقة عاطفية ومستمرة معه وعدم تركه فجأة في السنوات الأولى من عمره،وإذا حدث ذلك يجب تعويضه بحاضن مناسب, كذلك المحافظة على التماسك الأسري وحل الخلافات الاسرية بعيد عنه.
الاكتئاب
ولأن الطفل كائن حساس يتأثر بكل ما يدور حوله ويتفاعل معه ويتأثر بدرجة كبيرة في حالة إصابة الأب أو الأم بالإحباط أو الاكتئاب أو بوجود مشاكل أسرية فمتى كانت الظروف المحيطة مشحونة بالاحباطات والمشاحنات نشأ على الإحساس بالكبت والانطواء وقلة الحركة مما يحرمه من ممارسة حقه في اللعب كأقرانه في مثل سنه مع تدهور في شخصيته وانحدار في مستواه الدراسي. والأم عادة أول من يلاحظ علامات الأكتئاب على ابنها، فهو يبقى وحده فترات طويلة لا يتحرك كثيرا، و نادرا ما يبتسم ولا يلعب أو يلهو مع أصدقائه وهذه الأعراض تظهر في مرحلة الحضانة أو المدرسة، وتكتشفها المعلمة ومتى تحول الاكتئاب إلى حالة مستمرة فذلك يؤدي إلى شخصية سلبية منطوية منعزلة عن الآخرين ليس لديها دافع للحياة، تعيش بنظرة قاتمة خالية من أي سعادة. وللتخلص من ذلك لابد من خلق جو اجتماعي مرح يعيش فيه الطفل بين أصدقائه، وهذا يخفف حدة التوتر والوسط الاجتماعي الطبيعي يخلق الإنسان السوي، على العكس تماما من جو العزلة الذي يجذب الطفل إلى عالم الوحدة والقلق وعدم التآلف.
وعلى الآباء ألا يقحموا الطفل في مشاكلهم وأن تكون مناقشاتهم بعيدة عن سمعه و بصره. فالصوت العالي قد يصيبه ويدخله في دوامة التوقعات المخيفة إضافة إلى شعوره بالغربة بينهم فيبحث عن عالم آخر من الخيال لكي يهرب من إحباطاته. ولابد أن يتفهم الوالدين نفسية الصغير ويدركوا تحولاته، فالهدوء الزائد وعدم التفاعل والتصرف كمن هم في سنه وأي تغيير يطرأ على سلوكه يشير إلى احتمالات المرض كاضطرابات النوم أو فقدان الشهية للطعام أو البكاء. والحل هو محاولة تفهم مشاكل الطفل ومنحه حقه في الحياة مع أب وأم يعرفان واجبهما تجاهه أو بالعرض على الطبيب النفسي متى تفاقمت المشكلة، حتى يجد العلاج المناسب لمشاكل الأسرة التي تؤثر سلبيا على حياة الطفل ومستقبله.