اختلف أهل السيَر والتاريخ في تحديد يوم وشهر ولادة النبي صلى
الله عليه وسلم ، وهو أمر له سببه المعقول حيث لم يُعلم ما سيكون لهذا
المولود من شأن ، فكان حاله كحال غيره من المواليد ، ولذا لم يكن لأحد أن
يجزم على وجه اليقين بوقت ميلاده صلى الله عليه وسلم .
قال الدكتور محمد الطيب النجار – رحمه الله - :
ولعل
السر في هذا الخلاف أنه حينما ولد لم يكن أحد يتوقع له مثل هذا الخطر ،
ومن أجل ذلك لم تتسلط عليه الأضواء منذ فجر حياته ، فلما أذِن الله أن يبلغ
الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته بعد أربعين سنة من ميلاده : أخذ الناس
يسترجعون الذكريات التي علقت بأذهانهم حول هذا النبي ، ويتساءلون عن كل
شاردة وواردة من تاريخه ، وساعدهم على ذلك ما كان يرويه الرسول صلى الله
عليه وسلم نفسه عن الأحداث التي مرت به أو مر هو بها منذ نشأته الأولى ،
وكذلك ما كان يرويه أصحابه والمتصلون به عن هذه الأحداث .
وبدأ المسلمون – حينئذٍ - يستوعبون كل ما يسمعون من تاريخ نبيهم صلى الله عليه وسلم لينقلوه إلى الناس على توالي العصور .
" القول المبين في سيرة سيد المرسلين " ( ص 78 ) .
ثانياً:
من مواضع الاتفاق في ميلاده صلى الله عليه وسلم تحديد العام ، وتحديد اليوم :
1. أما العام : فقد كان عام الفيل ، قال ابن القيم – رحمه الله - :
لا خلاف أنه ولد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجوف مكّة ، وأن مولده كان عامَ الفيل .
" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 1 / 76 ) .
وقال محمد بن يوسف الصالحي – رحمه الله - :
قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى : عام الفيل .
قال ابن كثير : وهو المشهور عند الجمهور .
وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري : وهو الذي لا يشك فيه أحد من العلماء .
وبالغ خليفة بن خياط وابن الجزار وابن دحية وابن الجوزي وابن القيم فنقلوا فيه الإجماع .
" سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد " ( 1 / 334 ، 335 ) .
وقال الدكتور أكرم ضياء العمري – وفقه الله - :
والحق
: أن الروايات المخالفة كلها معلولة الأسانيد ، وهي تفيد أن مولده بعد
الفيل بعشر سنوات ، أو ثلاث وعشرين سنة ، أو أربعين سنة ، وقد ذهب معظم
العلماء إلى القول بمولده عام الفيل ، وأيدتهم الدراسة الحديثة التي قام
بها باحثون مسلمون ومستشرقون اعتبروا عام الفيل موافقاً للعام 570م ، أو
571م .
" السيرة النبوية الصحيحة " ( 1 / 97 ) .
2. وأما اليوم : فهو يوم الاثنين ، ففيه وُلد صلى الله عليه وسلم ، وفيه بُعث ، وفيه توفي .
عن
أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال : ( سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ
صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ؟ قَالَ : ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ ،
وَيَوْمٌ بُعِثْتُ - أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ - ) .
رواه مسلم ( 1162 ) .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
وأبعدَ بل أخطأ من قال : ولد يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من ربيع الأول .
نقله الحافظ " ابن دحية " فيما قرأه في كتاب " إعلام الروى بأعلام الهدى " لبعض الشيعة .
ثم شرع ابن دحية في تضعيفه وهو جدير بالتضعيف إذ هو خلاف النص .
" السيرة النبوية " ( 1 / 199 ) .
ثالثاً:
أما موضع الخلاف فقد كان في تحديد الشهر واليوم منه ، وقد وقفنا على أقوال كثيرة في ذلك ، ومنها :
1. أن ميلاده صلى الله عليه وسلم كان لليلتين خلتا من ربيع الأول .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
فقيل : لليلتين خلتا منه ، قاله ابن عبد البر في " الاستيعاب " ، ورواه الواقدي عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدنى .
" السيرة النبوية " ( 1 / 199 ) .
2. وقيل : في ثامن ربيع الأول .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
وقيل
لثمان خلون منه ، حكاه الحميدى عن ابن حزم ، ورواه مالك وعقيل ويونس بن
يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم ، ونقل ابن عبد البر عن
أصحاب التاريخ أنهم صححوه ، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي ،
ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه " التنوير في مولد البشر النذير
" .
" السيرة النبوية " ( 1 / 199 ) .
3. وقيل : في عاشر ربيع الأول .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
وقيل : لعشر خلون منه ، نقله ابن دحية في كتابه ، ورواه ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر ، ورواه مجالد عن الشعبى .
" السيرة النبوية " ( 1 / 199 ) .
4. وقيل : في ثاني عشر ربيع الأول .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
وقيل
: لثنتى عشرة خلت منه ، نصَّ عليه ابن إسحاق ، ورواه ابن أبى شيبة في "
مصنفه " عن عفان عن سعيد بن ميناء عن جابر وابن عباس أنهما قالا : ولد رسول
الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع
الأول ، وفيه بعث ، وفيه عرج به إلى السماء ، وفيه هاجر ، وفيه مات .
وهذا هو المشهور عند الجمهور ، والله أعلم .
" السيرة النبوية " ( 1 / 199 ) .
وقيل : ولد في رمضان ، وقيل في صفر ، وقيل غير ذلك .
والذي يظهر لنا أن أقوى ما قيل في مولده صلى الله عليه وسلم
يدور بين الثامن والثاني عشر من ربيع أول ، وقد حقق بعض العلماء المسلمين
من أهل الحساب والفلك أن يوم الاثنين يوافق التاسع من ربيع الأول ! فيمكن
أن يكون هذا قولاً آخر ، وفيه قوة ، وهو يعادل العشرين من نيسان لعام 571 م
، وهو ما رجحه بعض العلماء من كتَّاب السيرة المعاصرين ومنهم الأستاذ محمد
الخضري ، وصفي الرحمن المباركفوري .
قال أبو القاسم السهيلي – رحمه الله - :
وأهل الحساب يقولون : وافق مولده من الشهور الشمسية " نيسان " ، فكانت لعشرين مضت منه .
" الروض الأُنُف " ( 1 / 282 ) .
وقال الأستاذ محمد الخضري – رحمه الله - :
وقد
حقق المرحوم محمود باشا الفلكي - عالم فلكي مصري ، له باع في الفلك
والجغرافيا والرياضيات وكتب وأبحاث ، توفي عام 1885م - : أن ذلك كان صبيحة
يوم الاثنين تاسع ربيع الأول الموافق لليوم العشرين من أبريل / نيسان ، سنة
571 من الميلاد ، وهو يوافق السنة الأولى من حادثة الفيل ، وكانت ولادته
في دار أبي طالب بشعب بني هاشم .
" نور اليقين في سيرة سيد المرسلين " ( ص 9 )، وينظر: " الرحيق المختوم " ( ص 41 ) .
رابعاً:
أما يوم وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : فلا
خلاف في أنها كانت يوم الاثنين ، وما نقل عن ابن قتيبة أنه يوم الأربعاء :
فليس بصواب ، ولعل مراده أنه صلى الله عليه وسلم دفن يوم الأربعاء ، فهذا
صحيح .
وأما سنة الوفاة : فلا خلاف في أنها كانت في العام الحادي عشر من الهجرة .
وأما شهر الوفاة : فليس ثمة خلاف أنها كانت في شهر ربيع أول .
وأما تحديد يوم الوفاة من ذلك الشهر : ففيه خلاف بين العلماء :
1. فالجمهور على أنها كانت في الثاني عشر من شهر ربيع أول .
2. وذهب الخوازمي إلى أنها كانت في الأول من ربيع أول .
3. وقال ابن الكلبي وأبو مخنف إنها كانت في الثاني من ربيع أول ، ومال إليه السهيلي ، ورجحه الحافظ ابن حجر رحمه الله .
والمشهور هو ما ذهب إليه الجمهور من أن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في الثاني عشر من ربيع أول في العام الحادي عشر للهجرة .
وينظر
: " الروض الأنف " ، للسهيلي ( 4 / 439 ، 440 ) ، " السيرة النبوية " لابن
كثير( 4 / 509 ) ، " فتح الباري " لابن حجر ( 8 / 130 ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب